SquaredFinancial
Back

الأسواق على حافة الترقب بين المخاطر القانونية والاقتصادية وتضخم التقييمات

افتتحت الأسواق العالمية تداولاتها اليوم بنبرة متباينة، مع ترقب المستثمرين لعدة عوامل متعارضة: مؤشرات تقييم الأسهم الأمريكية التي تُظهر مستويات مفرطة تاريخيًا، ارتفاع غير مسبوق في عمليات التسريح، غموض قانوني بشأن التعرفة الجمركية الأمريكية، وتراجع الزخم في أسهم التكنولوجيا الكبرى.
هذه التطورات مجتمعة تعكس مرحلة جديدة من التقلبات، حيث تتقاطع إشارات التباطؤ الاقتصادي مع ضبابية السياسات العامة وتعب السوق بعد موجة ارتفاعات قوية استمرت لأشهر.

1. أسواق الأسهم: التقييمات تلامس حدود التفاؤل المفرط

تواصل الأسهم الأمريكية التداول في نطاق ضيق بعد ارتفاعها بنسبة 36٪ منذ أدنى مستوياتها في أبريل، لتصل التقييمات إلى مستويات غير مسبوقة.
ما يُعرف بـ مؤشر بافيت — الذي يقارن القيمة السوقية الإجمالية للأسهم الأمريكية بالناتج المحلي الإجمالي — تجاوز ذروته التي سبقت انهيار عام 2022، مشيرًا إلى أن القيمة السوقية للأسهم أصبحت الآن أكثر من ضعف حجم الاقتصاد.

كما أن مؤشر “باركليز” المعتمد على بيانات الخيارات أطلق تحذيرات مماثلة، حيث تظهر مستويات الحماسة الاستثمارية عند أعلى مستوياتها منذ فقاعة الإنترنت في التسعينات. وعلى الرغم من استمرار أرباح الشركات في النمو بنسبة 13٪ على أساس سنوي في الربع الثالث، إلا أن تركز العوائد في أسهم التكنولوجيا الكبرى لا يزال يمثل نقطة ضعف هيكلية.

في المقابل، شهدت الأرباح تحسنًا في التنوع مقارنة ببداية العام، وهو ما يمنح بعض الدعم، لكن مع ارتفاع مضاعفات الربحية إلى مستويات تاريخية وتزايد إشارات المضاربة، يميل المستثمرون إلى تقليل المخاطر وتأمين المكاسب المحققة.

2. أداء الأسواق: الحذر يسيطر على قطاع التكنولوجيا

شهدت التداولات العالمية حالة من التذبذب، إذ تلاشت موجة التفاؤل الناتجة عن النتائج القوية للشركات. العقود الآجلة لمؤشري S&P 500 وNasdaq 100 لم تسجل تغيرًا يُذكر، فيما ظلت الأسهم الأوروبية مستقرة تقريبًا.

أعلنت شركة كوالكوم عن توقعات إيجابية للأرباح، لكنها فشلت في رفع المعنويات، مما أدى إلى تراجع أسهمها بنسبة 3٪، وأعاد المخاوف بشأن تقييمات شركات أشباه الموصلات المرتفعة.
أما أسهم تسلا فارتفعت بشكل طفيف قبيل تصويت المساهمين على حزمة تعويضات إيلون ماسك البالغة تريليون دولار، بينما تباين أداء باقي شركات “السبعة العظماء”.

وفي الأخبار الأخرى، ارتفعت أسهم Arm Holdings بأكثر من 5٪ بدعم من التوسع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقفزت أسهم Snap بعد إعلان شراكة بقيمة 400 مليون دولار مع شركة Perplexity AI. في المقابل، تراجعت Duolingo بعد نتائج مخيبة، وهبطت Maersk نتيجة خيبة أمل في توجيه الأرباح.

وفي أسواق السندات، تراجعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية مع ارتفاع توقعات خفض الفائدة في ديسمبر، وانخفض الدولار إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أسابيع، بينما صعد الذهب إلى 4,008 دولارات للأونصة نتيجة زيادة الطلب على الملاذات الآمنة.

3. سوق العمل: أكبر موجة تسريحات منذ عقدين

أظهرت بيانات شركة Challenger, Gray & Christmas أن الشركات الأمريكية أعلنت عن 153 ألف تسريح في أكتوبر — أي نحو ثلاثة أضعاف العام الماضي — لتسجل أعلى رقم لهذا الشهر منذ عام 2003.
قاد قطاعا التكنولوجيا والتخزين الموجة مع تسارع تطبيقات الذكاء الاصطناعي وخطط خفض التكاليف.

تجاوز إجمالي عمليات التسريح خلال عام 2025 حاجز المليون وظيفة، في حين تراجعت خطط التوظيف إلى أدنى مستوياتها منذ 2011. هذا يعكس تباطؤًا واضحًا في الطلب على العمالة، ويتناقض مع تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة التي تحدثت عن “تباطؤ تدريجي” فقط.

وتصدرت شركات مثل أمازون وميتا وتارغت وباراماونت عناوين التسريحات، بينما تراجعت فرص التوظيف الموسمية إلى أدنى مستوياتها منذ عقد. وتشير هذه البيانات إلى أن الاقتصاد الأمريكي يتجه نحو تباطؤ ملحوظ رغم تحسن التضخم.

4. السياسة التجارية: المحكمة العليا تشكك في شرعية رسوم ترامب

تزايدت حالة الغموض في السياسة التجارية الأمريكية بعد أن أبدت المحكمة العليا شكوكًا بشأن استخدام الرئيس ترامب لقانون السلطات الاقتصادية الطارئة لعام 1977 (IEEPA) لفرض رسوم جمركية واسعة.

وألمح قضاة محافظون إلى أن سلطات الرئيس قد تكون تجاوزت الحدود الدستورية، ما قد يؤدي إلى فرض قيود على الصلاحيات التنفيذية في السياسة التجارية.
وفي حال صدور حكم ضد الإدارة، قد تنخفض معدلات الرسوم الفعلية إلى 6.5٪ — أدنى مستوى منذ إعلان “يوم التحرير التجاري” في أبريل — ما قد يقلل الأثر السلبي على الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 1.1 نقطة مئوية تقريبًا.

لكن مثل هذا القرار سيخلق تحديات جديدة، أبرزها احتمال مطالبة الشركات باسترداد مليارات الدولارات من الرسوم، وهو ما يهدد بتعقيد المفاوضات الجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى.
أما الشركات الصغيرة، التي أنهكتها الرسوم لعدة أشهر، فترى أن أي تخفيف قادم قد يكون متأخرًا جدًا لإنقاذها من الأضرار المالية المتراكمة.

5. التوقعات والانعكاسات على الأسواق

إن تزامن التقييمات المرتفعة مع ضعف سوق العمل والغموض السياسي يخلق بيئة اقتصادية معقدة.
فمن جهة، تعزز احتمالات خفض الفائدة المعنويات قصيرة الأجل، لكن من جهة أخرى، تشير المؤشرات الأساسية إلى تباطؤ النمو وتراجع الزخم في الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري.

ومن المتوقع استمرار التقلبات في المدى القصير مع إعادة تقييم المستثمرين للتوازن بين تباطؤ النمو ومخاطر التضخم.
ورغم بقاء السيولة وفيرة، فإن الجمع بين الارتفاع المفرط في أسعار الأسهم وضعف العوامل الاقتصادية يشير إلى دخول الأسواق في مرحلة متقدمة من الدورة، حيث تصبح الانتقائية والتوزيع الدفاعي أكثر أهمية من أي وقت مضى.

الخلاصة

تقترب الأسواق العالمية من نقطة تحول محورية. فمع وصول الأسهم الأمريكية إلى حدود مبالغ فيها من حيث التقييم، وتسارع موجات التسريح، وتزايد الغموض القانوني بشأن الرسوم الجمركية، يتجه المستثمرون من التفاؤل المفرط إلى الواقعية الاقتصادية.
وفي مثل هذا المناخ، تصبح الاستراتيجية المنضبطة التي تركز على جودة الأرباح، والسيولة، وتنوع القطاعات هي المفتاح لعبور المرحلة القادمة بأقل قدر من المخاطر حتى نهاية عام 2025.


بقلم نور الحموري، كبير محللي الأسواق في سكويرد فاينانشيال

نور مستثمر ومحلل للأسواق مستقل ومستشار مالي، يحمل بكالوريوس في علم المالية والمصارف من جامعة عمان الأهلية وشهادة CFTe في الاقتصاد من الاتحاد العالمي للمحللين الفنيين. يتمتع نور بخبرة 15 سنة في الفوركس والأسهم والتطورات الاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى تحليل سياسات المصارف المركزية والتحليل ما بين الأسواق المالية. نور يظهر بانتظام على أبرز الشبكات التلفزيونية العالمية، مثل بي بي سي (BBC) والجزيرة، والحرّة، وسي إن بي سي (CNBC) وبلومبرغ (Bloomberg)، في أحاديث وتحاليل وقراءات للأسواق وأحداثها.

رفع المسؤولية: هذا التواصل تسويقي ولا يحتوي، ولا يجب تفسيره على أنه يحتوي على: نصائح استثمارية أو توصيات استثمارية، أو عرض أو التماس لأي معاملات تتصل بالأدوات المالية. لا يُعدُّ الأداء في الماضي ضمانًا أو تنبؤًا بأي أداء مستقبلي. ولا تُعدُّ المعلومات المذكورة هنا توصيةً شخصيةً ولا تُراعي أهدافك الاستثمارية الشخصية، أو استراتيجيات الاستثمار لديك، أو وضعك المالي أو احتياجاتك المالية. لا تُقدم شركة سكويرد فاينانشيال (Squared Financial) ولا تتحمل أي مسؤولية عن دقة المعلومات الواردة أو اكتمالها، أو أي خَسارة ناتجة عن أي استثمار بناءً على توصية أو تنبؤ أو معلومات أخرى تقدمها شركة سكويرد فاينانشيال.

المعلومات الواردة في هذا الموقع غير موجَّهة لأي شخص في أي بلد أو ولاية يكون فيها ذلك النشر أو الاستخدام مخالفًا للقانون أو التنظيمات المحلية

This site is registered on wpml.org as a development site.