صدمة الفيدرالي وتهديدات الرسوم الجمركية وأزمة في فرنسا

الأسواق العالمية تحت ضغوط جديدة مع تزامن الصدمات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة وأوروبا. قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعزل عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي ليزا كوك أثار مواجهة قانونية غير مسبوقة حول استقلالية المصرف المركزي، في حين أن تهديداته الأخيرة بفرض رسوم جمركية جديدة على الدول التي تفرض ضرائب رقمية أعادت إشعال المخاوف من حرب تجارية أوسع. في أوروبا، تواجه فرنسا أزمة سياسية قد تُسقط حكومتها، ما يزيد الضغوط على السندات والأسهم الفرنسية. مجمل هذه التطورات يعيد رسم توقعات المستثمرين عبر العملات والسندات والأسواق المالية.
الولايات المتحدة: ترامب يتحرك لعزل عضوة الفيدرالي كوك
صعّد ترامب من مواجهته مع الاحتياطي الفيدرالي بإعلانه إقالة ليزا كوك من منصبها، بعد اتهامات بتزوير وثائق رهن عقاري. كوك، التي تم تعيينها في العام 2022 ويستمر تفويضها حتى 2038، رفضت القرار مؤكدة أن الرئيس لا يملك صلاحية قانونية لعزلها. تمهد هذه الخطوة لمعركة قضائية تاريخية قد تختبر حدود سلطة الرئيس على المصرف المركزي.
تحركت الأسواق فوراً: تراجع الدولار بنسبة 0.3% وارتفع الذهب 0.6%، تعبيراً عن القلق بشأن استقلالية الفيدرالي. وعلى الرغم من تعافي الدولار لاحقاً بعد تمسك كوك بمنصبها، سلطت الحادثة الضوء على الضغوط المتزايدة على المؤسسة. نجاح ترامب في هذه الخطوة قد يمنحه أغلبية داخل مجلس المحافظين، ما قد يدفع السياسة النقدية نحو نهج أكثر تيسيراً. في المقابل، حذرت وكالات التصنيف مثل S&P من أن تقويض استقلالية الفيدرالي قد يضعف الثقة بالجدارة الائتمانية الأمريكية.
تأثير الأسواق كان واضحاً: ارتفعت عوائد السندات الأمريكية الطويلة الأجل مع عمليات بيع في السوق، في حين ازدادت حالة الحذر على مستوى شهية المخاطر عالمياً.
التجارة والتكنولوجيا: عودة شبح الرسوم الجمركية والقيود على الصادرات
إلى جانب ملف الفيدرالي، أعاد ترامب إشعال توترات التجارة بتهديده فرض رسوم إضافية وقيود على الصادرات رداً على الضرائب الرقمية المفروضة على شركات التكنولوجيا الأمريكية. واعتبر ترامب هذه الضرائب تمييزاً ضد شركات مثل أمازون وغوغل (ألفابت) وميتا، في حين تُستثنى الشركات الصينية المنافسة.
قد تشمل الإجراءات المحتملة فرض قيود على أشباه الموصلات المتقدمة، بما فيها الرقائق الخاصة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يزيد من حساسية الأسواق التي تترقب نتائج “إنفيديا” هذا الأسبوع.
أوروبا: فرنسا على حافة الانهيار السياسي
في باريس، يزداد المشهد ضبابية بعد إعلان رئيس الوزراء فرانسوا بايرو عن تصويت بالثقة في 8 سبتمبر قد يؤدي إلى إسقاط الحكومة إذا توحدت قوى المعارضة. أحزاب مثل “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، و”فرنسا الأبية”، والخضر أكدت أنها ستصوت ضد الحكومة، ما يعزز احتمال السقوط.
ظهرت التداعيات سريعاً في الأسواق: ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات 9 نقاط أساس لتصل إلى 3.51%، بينما اتسع الفارق مع السندات الألمانية إلى 75 نقطة أساس، وهو الأعلى منذ أبريل. وبذلك أصبحت فرنسا من بين الأضعف مالياً في منطقة اليورو، إلى جانب إيطاليا.
تأتي الأزمة في وقت يواجه فيه الرئيس إيمانويل ماكرون تراجعاً في شعبيته وصعوبات على الجبهة الداخلية والخارجية، ما يضعف موقعه السياسي والاقتصادي.
لمحة عن الأسواق: العملات، والسندات، والأسهم، والسلع
العملات: تراجع مؤشر بلومبرغ للدولار 0.1% فقط بعد تقليص خسائره. ارتفع اليورو إلى 1.1638 دولار، بينما استقر الين عند 147.8. الجنيه الإسترليني بقي مستقراً.
السندات: ارتفع العائد على السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 4.30%. وشهدت السندات الفرنسية ضغوطاً كبيرة، في حين بقيت العوائد اليابانية من دون تغيير.
الأسهم: تراجعت العقود الآجلة الأمريكية والأوروبية بشكل طفيف. مؤشر ناسداك 100 انخفض 0.1% وسط مخاوف من الرسوم الجمركية واستقلالية الفيدرالي. وسجلت الأسهم الآسيوية خسائر عامة بقيادة توبكس الياباني (-0.9%).
السلع: استقر الذهب قرب 3,375 دولار للأونصة كملاذ آمن. وانخفض النفط 0.6% إلى 64.43 دولار للبرميل.
العملات الرقمية: ارتفع بتكوين 0.7% إلى 110,355 دولار، وإيثر صعد 2.1% إلى 4,445 دولار، في إشارة إلى استمرار الطلب على الأصول الرقمية.
تواجه الأسواق العالمية حالياً مزيجاً غير معتاد من المخاطر: تدخل سياسي مباشر في السياسة النقدية الأمريكية، وتصاعد النزاع التجاري حول التكنولوجيا، وأزمة سياسية في فرنسا. تزيد هذه العوامل مجتمعة من تقلبات الأسواق عبر مختلف الأصول.
الأنظار تتجه الآن إلى مسار المعركة القانونية حول استقلالية الفيدرالي، وإمكانية تنفيذ ترامب لتهديداته التجارية، ونتيجة التصويت في فرنسا. إلى جانب ذلك، يترقب المستثمرون بيانات التضخم الأمريكية (مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي) ونتائج “إنفيديا”، والتي ستكون بمثابة اختبار رئيسي لشهية المخاطرة في الأيام المقبلة.
بقلم نور الحموري، كبير محللي الأسواق في سكويرد فاينانشيال
نور مستثمر ومحلل للأسواق مستقل ومستشار مالي، يحمل بكالوريوس في علم المالية والمصارف من جامعة عمان الأهلية وشهادة CFTe في الاقتصاد من الاتحاد العالمي للمحللين الفنيين. يتمتع نور بخبرة 15 سنة في الفوركس والأسهم والتطورات الاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى تحليل سياسات المصارف المركزية والتحليل ما بين الأسواق المالية. نور يظهر بانتظام على أبرز الشبكات التلفزيونية العالمية، مثل بي بي سي (BBC) والجزيرة، والحرّة، وسي إن بي سي (CNBC) وبلومبرغ (Bloomberg)، في أحاديث وتحاليل وقراءات للأسواق وأحداثها.
رفع المسؤولية: هذا التواصل تسويقي ولا يحتوي، ولا يجب تفسيره على أنه يحتوي على: نصائح استثمارية أو توصيات استثمارية، أو عرض أو التماس لأي معاملات تتصل بالأدوات المالية. لا يُعدُّ الأداء في الماضي ضمانًا أو تنبؤًا بأي أداء مستقبلي. ولا تُعدُّ المعلومات المذكورة هنا توصيةً شخصيةً ولا تُراعي أهدافك الاستثمارية الشخصية، أو استراتيجيات الاستثمار لديك، أو وضعك المالي أو احتياجاتك المالية. لا تُقدم شركة سكويرد فاينانشيال (Squared Financial) ولا تتحمل أي مسؤولية عن دقة المعلومات الواردة أو اكتمالها، أو أي خَسارة ناتجة عن أي استثمار بناءً على توصية أو تنبؤ أو معلومات أخرى تقدمها شركة سكويرد فاينانشيال.
المعلومات الواردة في هذا الموقع غير موجَّهة لأي شخص في أي بلد أو ولاية يكون فيها ذلك النشر أو الاستخدام مخالفًا للقانون أو التنظيمات المحلية