الصين تنفي وجود مفاوضات تجارية والأسواق العالمية تتفاعل مع اضطرابات الرسوم الجمركية

على الرغم من محاولات التهدئة الأخيرة من الولايات المتحدة، نفت الصين بشكل قاطع وجود أي مفاوضات تجارية، مطالبة بإلغاء كافة الرسوم الجمركية المفروضة، ما أدى إلى موجة من التقلبات في الأسواق العالمية. وفي الوقت الذي يلمّح فيه الرئيس ترامب إلى تخفيف موقفه المتشدد بشأن الرسوم، فإن موقف بكين المتشكك واستجابات الدول الأخرى المتباينة يعيدان تشكيل المزاج الاستثماري والتوجهات السياسية في المصارف المركزية وشبكات التجارة العالمية.
الصين تتصدى: لا مفاوضات ولا تنازلات
أصدرت وزارة التجارة الصينية ردًا حادًا على التصريحات الأميركية الأخيرة التي ألمحت إلى أن المحادثات جارية. وقد وصف المتحدث باسم الوزارة هذه التقارير بأنها “بلا أساس”، مؤكدًا أنه ما من مفاوضات ما لم تلغِ الولايات المتحدة كافة الرسوم الجمركية الأحادية وتُظهر “الجدية” في التعامل.
ورفضت القيادة الصينية حتى الآن محاولات ترامب إجراءَ اتصال مباشر، مشترطة احترامًا متبادلًا من واشنطن وتعيين جهة اتصال واضحة، بالإضافة إلى معالجة قضايا مثل العقوبات وتايوان. ولا تزال الرسوم الجمركية عند مستويات مرتفعة تصل إلى 145% على معظم البضائع الصينية، وهو ما تعتبره بكين تحركًا سياسيًا لا يستند إلى نوايا اقتصادية حقيقية.
رد فعل الأسواق: الأسهم تتراجع والملاذات الآمنة ترتفع
عكست الأسواق العالمية حالة القلق المتصاعدة. فقد توقفت العقود الآجلة للأسهم الأميركية بعد ارتفاع دام يومين، بينما قلّصت المؤشرات الأوروبية خسائرها من دون أن تحقق مكاسب تُذكر. وارتفعت الأصول الآمنة مثل الذهب والين الياباني والفرنك السويسري. كما ارتفعت السندات الحكومية، وتراجع مؤشر بلومبرغ للدولار بنسبة 0.3%، ما يعكس تراجع الثقة في استقرار السياسة الأميركية.
ولم تشهد العقود الآجلة لمؤشر S&P 500 تحركات تُذكر، واستقر مؤشر ناسداك، بينما انخفضت العقود الآجلة لمؤشر داو جونز بنسبة 0.2%. وارتفع الذهب الفوري بنسبة 1.3% ليصل إلى 3,330 دولارًا للأونصة. كما سجلت أسهم IBM انخفاضًا بنسبة 8% في التداولات المبكرة بعد نتائج مخيبة للآمال.
الاستجابة الأوروبية: المركزي الأوروبي يشير إلى مرونة في السياسة النقدية
في ظل تشدد الأوضاع المالية وتزايد المخاطر العالمية، شدد عضو مجلس محافظي المركزي الأوروبي، أولي رين، على ضرورة التحرك بسياسات نقدية مرنة. وأشار إلى أن خفض أسعار الفائدة بشكل أكبر، وربما بأكثر من المعتاد، لا يجب استبعاده إذا تراجعت توقعات التضخم دون الهدف المحدد عند 2%.
وقد خفض المركزي الأوروبي بالفعل أسعار الفائدة سبع مرات، لتصل الآن إلى 2.25%. وتتوقع الأسواق خفضين إضافيين قبل نهاية العام، مع احتمال بنسبة 64% لخفض ثالث. ومن المرتقب أن يجري المصرف تقييمًا جديدًا في اجتماعه في يونيو المقبل، بناءً على توقعات اقتصادية جديدة.
موقف اليابان الحذر: رفض الدخول في تحالف ضد الصين
في الوقت الذي تسعى فيه اليابان للحصول على إعفاء دائم من الرسوم الأميركية، فإنها ترفض الانضمام إلى أي تحالف اقتصادي يستهدف الصين. إذ تعتمد طوكيو بشكل كبير على التجارة مع بكين، وتسعى إلى إبرام اتفاق ثنائي مع واشنطن قبل انتهاء فترة الإعفاء المؤقتة البالغة 90 يومًا، من دون الانضمام إلى جبهة مناهضة للصين.
وأكد المسؤولون اليابانيون أن بلادهم لن تدعم أي صفقة تضر بعلاقاتها مع الصين، بل إنها تسعى حاليًا إلى استئناف صادرات المأكولات البحرية واللحوم إلى بكين، كما أعلنت شركة تويوتا عن نيتها بناء مصنع جديد في شنغهاي باستثمارات تبلغ 2 مليار دولار.
توقعات السياسة الاقتصادية في الصين: الحذر في التحفيز المالي
على الرغم من الضغوط المتزايدة، لا تزال بكين متحفظة بشأن إطلاق حزم تحفيز كبيرة. فقد جاء نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول بنسبة 5.4%، متجاوزًا الهدف المحدد للعام 2025 البالغ حوالى 5%، ما يمنح صانعي السياسات بعض الوقت للتريث.
وحذر محافظ المصرف المركزي، بان قونغشنغ، من أن استمرار التوترات التجارية قد يقوض الثقة في النظام الاقتصادي العالمي، داعيًا في اجتماعات مجموعة العشرين إلى تعاون دولي لتجنب الانزلاق إلى “عالم عالي الاحتكاك، منخفض الثقة”.
التكيف مع عصر التشويش الاستراتيجي
لا تزال الصورة غامضة في ملف التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم. وبينما ترفض الصين التهدئة السطحية من واشنطن، تواجه الولايات المتحدة صعوبات في بناء تحالف دولي موحد. وفي هذا المناخ، تصبح مرونة المصارف المركزية ضرورية، وتصبح إدارة المخاطر أولويّة قصوى للمستثمرين. فمع ازدياد الارتباك الجيوسياسي، سيكون الحذر الاستراتيجي والتخطيط المرن هما المفتاح لتجاوز المرحلة المقبلة.
بقلم نور الحموري، كبير محللي الأسواق في سكويرد فاينانشيال
نور مستثمر ومحلل للأسواق مستقل ومستشار مالي، يحمل بكالوريوس في علم المالية والمصارف من جامعة عمان الأهلية وشهادة CFTe في الاقتصاد من الاتحاد العالمي للمحللين الفنيين. يتمتع نور بخبرة 15 سنة في الفوركس والأسهم والتطورات الاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى تحليل سياسات المصارف المركزية والتحليل ما بين الأسواق المالية. نور يظهر بانتظام على أبرز الشبكات التلفزيونية العالمية، مثل بي بي سي (BBC) والجزيرة، والحرّة، وسي إن بي سي (CNBC) وبلومبرغ (Bloomberg)، في أحاديث وتحاليل وقراءات للأسواق وأحداثها.
رفع المسؤولية: هذا التواصل تسويقي ولا يحتوي، ولا يجب تفسيره على أنه يحتوي على: نصائح استثمارية أو توصيات استثمارية، أو عرض أو التماس لأي معاملات تتصل بالأدوات المالية. لا يُعدُّ الأداء في الماضي ضمانًا أو تنبؤًا بأي أداء مستقبلي. ولا تُعدُّ المعلومات المذكورة هنا توصيةً شخصيةً ولا تُراعي أهدافك الاستثمارية الشخصية، أو استراتيجيات الاستثمار لديك، أو وضعك المالي أو احتياجاتك المالية. لا تُقدم شركة سكويرد فاينانشيال (Squared Financial) ولا تتحمل أي مسؤولية عن دقة المعلومات الواردة أو اكتمالها، أو أي خَسارة ناتجة عن أي استثمار بناءً على توصية أو تنبؤ أو معلومات أخرى تقدمها شركة سكويرد فاينانشيال.
المعلومات الواردة في هذا الموقع غير موجَّهة لأي شخص في أي بلد أو ولاية يكون فيها ذلك النشر أو الاستخدام مخالفًا للقانون أو التنظيمات المحلية