توقف في التصعيد يُشعل موجة ارتياح في الأسواق العالمية

تنفّست الأسواق العالمية الصعداء بعد أن ظهرت إشارات من واشنطن تُشير إلى تراجع في نهج الولايات المتحدة التصعيدي تجاه الصين. فرحّب المستثمرون بالنبرة التصالحية من الرئيس ترامب، وارتفعت الآمال بتخفيف التوترات التجارية، ما أشعل موجة صعود واسعة في أسواق الأسهم وخفّف الضغط على سوق السندات. لكن خلف هذا الارتداد الإيجابي تكمن حقيقة اقتصادية أكثر هشاشة، بخاصة في أوروبا والمملكة المتحدة، فالقطاع الخاص يعاني تحت وطأة حالة عدم اليقين التجاري المستمرة.
ترامب يُخفف لهجته تجاه الصين: هل هو تحول فعلي؟
أشار الرئيس ترامب إلى استعداده لأن يكون “لطيفاً جداً” مع الصين في المفاوضات التجارية المقبلة، في تحول واضح في لهجته الحادة في بداية هذا الشهر. وعلى الرغم من بقاء التعرفة الجمركية بنسبة 145% على السلع الصينية، ألمح ترامب إلى إمكانية خفضها “بشكل كبير” إذا تم التوصل إلى اتفاق. وقد تجنّب إثارة القضايا الشائكة مثل منشأ فيروس كورونا أثناء حديثه، في بادرة تهدف على ما يبدو إلى تهدئة الأجواء.
لم تُصدر بكين رداً رسمياً بعد، لكنها بدأت في تحريك أدواتها الدبلوماسية والتجارية، ما يُشير إلى استعدادها للجلوس إلى طاولة الحوار في حال استُعيدت مبادئ الاحترام المتبادل. وسجلت مواقع التواصل الاجتماعي في الصين تفاعلاً واسعاً تراوح بين التفاؤل الحذر والسخرية. وقد تفاعلت الأسواق بشكل إيجابي: ارتفع اليوان الخارجي، وارتفعت الأسهم الصينية المدرجة في هونغ كونغ على خلفية هذه الآمال.
استقلالية الفدرالي باقية: مصدر آخر للارتياح
أضافت تصريحات ترامب حول عدم نيته إقالة رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم “باول” سبباً إضافياً لتحسن المعنويات في الأسواق، لا سيما بعد أسابيع من الجدل حول استقلالية المصرف المركزي. وتراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية إلى 4.35%، بينما قفزت العقود الآجلة لمؤشر S&P 500 بنسبة 2%، مستفيدة من أجواء تهدئة التوترات السياسية والنقدية.
القطاع الخاص البريطاني ينكمش بشكل حاد: تداعيات مباشرة للحرب التجارية
على الرغم كم التحسن العام في المعنويات، فإن البيانات الاقتصادية من المملكة المتحدة تعكس واقعاً مقلقاً. فقد شهد القطاع الخاص البريطاني أكبر انكماش له منذ العام 2022، فقد انخفض مؤشر مديري المشتريات إلى 48.2، أي دون مستوى 50 الذي يفصل بين النمو والانكماش. وتأثرت كل من الصناعة والخدمات سلباً، فأبلغت الشركات عن تراجع حاد في الطلبيات الخارجية، وأشارت إلى أن حالة عدم اليقين الناجمة عن الرسوم الجمركية الأميركية كانت السبب الرئيسي.
وتزايدت المخاوف من ركود اقتصادي، سواء محلياً أم عالمياً، في ظل تعليق عدد من العملاء قرارات الإنفاق. وفي الوقت ذاته، ساهمت زيادة الضرائب على الرواتب والحد الأدنى للأجور في رفع التكاليف التشغيلية وارتفاع التضخم في أسعار المدخلات والخدمات.
ركود في منطقة اليورو: ألمانيا وفرنسا في قلب الضعف
شهدت منطقة اليورو أيضاً إشارات ضعف واضحة. فقد تراجع مؤشر مديري المشتريات المركب إلى 50.1، وهو بالكاد فوق مستوى الركود، وذلك نتيجة تراجع مفاجئ في النشاط الخدمي في كل من ألمانيا وفرنسا. وكان من المفترض أن توفر هذه القطاعات بعض الدعم للنمو، لكنها بدلاً من ذلك أثرت سلباً على المؤشر العام.
وقد تبخرت الآمال بأن يؤدي الإنفاق الحكومي المرتفع في البنية التحتية والدفاع إلى دعم النمو، مع تصاعد المخاوف من أن تؤدي الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب إلى تقويض الانتعاش الضعيف في أوروبا. وكان البن المركزي الأوروبي قد خفّض الفائدة للمرة السابعة منذ يونيو 2024، ويُتوقع اتخاذ خطوات إضافية لتجنب انخفاض التضخم دون 2%.
رد فعل الأسواق: موجة ارتداد إيجابية، ولكن إلى متى؟
ارتفعت شهية المخاطرة بشكل واسع: ارتفع مؤشر ستوكس الأوروبي بنسبة 1.9%، وقفزت العقود الآجلة لمؤشر ناسداك 100 بنسبة 2.4%، بينما عاد البيتكوين إلى ما فوق 90,000 دولار. في المقابل، تراجع الذهب مع انحسار الطلب على الملاذات الآمنة، بينما ارتفعت أسعار النفط.
أما على صعيد العملات، فشهدت تحركات محدودة، مع استقرار الدولار، وارتفاع طفيف في اليوان الخارجي، بينما تراجع كل من اليورو والجنيه الإسترليني. وانخفضت عوائد السندات الأميركية والبريطانية، في حين ارتفعت العوائد الألمانية بشكل طفيف مع توقعات تغيير السياسة النقدية.
الهدوء لا يعني اليقين
على الرغم من الارتياح الواضح في الأسواق، لا تزال البيانات الاقتصادية الأساسية تشير إلى بيئة محفوفة بالمخاطر. فقد سلط التراجع الحاد في النشاط الاقتصادي في كل من المملكة المتحدة ومنطقة اليورو الضوء على حجم الأضرار الناتجة عن التوترات التجارية والتضخم المتصاعد. وحتى تُترجم التصريحات الإيجابية إلى خطوات ملموسة، مثل خفض فعلي للرسوم، ستظل حالة التقلب هي السمة الغالبة.
مخاطر رئيسية يجب مراقبتها:
– رد الصين الرسمي على تصريحات ترامب الأخيرة
– نتائج الاجتماعات المرتقبة لصندوق النقد والبنك الدولي
– بيانات التضخم المقبلة في أوروبا والمملكة المتحدة
– مسار المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين
بقلم نور الحموري، كبير محللي الأسواق في سكويرد فاينانشيال
نور مستثمر ومحلل للأسواق مستقل ومستشار مالي، يحمل بكالوريوس في علم المالية والمصارف من جامعة عمان الأهلية وشهادة CFTe في الاقتصاد من الاتحاد العالمي للمحللين الفنيين. يتمتع نور بخبرة 15 سنة في الفوركس والأسهم والتطورات الاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى تحليل سياسات المصارف المركزية والتحليل ما بين الأسواق المالية. نور يظهر بانتظام على أبرز الشبكات التلفزيونية العالمية، مثل بي بي سي (BBC) والجزيرة، والحرّة، وسي إن بي سي (CNBC) وبلومبرغ (Bloomberg)، في أحاديث وتحاليل وقراءات للأسواق وأحداثها.
رفع المسؤولية: هذا التواصل تسويقي ولا يحتوي، ولا يجب تفسيره على أنه يحتوي على: نصائح استثمارية أو توصيات استثمارية، أو عرض أو التماس لأي معاملات تتصل بالأدوات المالية. لا يُعدُّ الأداء في الماضي ضمانًا أو تنبؤًا بأي أداء مستقبلي. ولا تُعدُّ المعلومات المذكورة هنا توصيةً شخصيةً ولا تُراعي أهدافك الاستثمارية الشخصية، أو استراتيجيات الاستثمار لديك، أو وضعك المالي أو احتياجاتك المالية. لا تُقدم شركة سكويرد فاينانشيال (Squared Financial) ولا تتحمل أي مسؤولية عن دقة المعلومات الواردة أو اكتمالها، أو أي خَسارة ناتجة عن أي استثمار بناءً على توصية أو تنبؤ أو معلومات أخرى تقدمها شركة سكويرد فاينانشيال.
المعلومات الواردة في هذا الموقع غير موجَّهة لأي شخص في أي بلد أو ولاية يكون فيها ذلك النشر أو الاستخدام مخالفًا للقانون أو التنظيمات المحلية